اليكم قصّة ماثيو المعروف أيضًا باسم “Cherrie Ontop”. ويعني هذا الاسم باللغة العربية “حبة الكرز فوق الكيك” أي “ما يزيد أهمية على ما هو هام”.

ولد ماثيو في أيرلندا الشمالية المحافظة جدًا، وتم تشخيص إصابته بفيروس نقص المناعة البشرية وهو بعمر الـ٢١ عامًا، فكافح طويلًا من أجل الحصول على قبول مجتمعه به. ولكي يهرب من واقعه اليومي بنى لنفسه شخصيّة نسائية وألبسها درعًا مكونًا من شعر مستعار ملون وتبرج لافت للنظر وفساتين برّاقة. هذا الدرع لا يسمح بالتعرف إليه. فهذاهو الزي الخاص بشخصيته الثانية النسائية والتي هي شخصيته الفنية التي أسماها “Cherrie Ontop”.

لقد بنى ماثيو هذه الشخصية من أجل مكافحة وصمات العار المحيطة بمصابي مرض نقص المناعة البشرية والتي يكثر شيوعها في أيرلندا الشمالية. فتلك المقاطعة هي آخر منطقة من مناطق المملكة المتحدة البريطانية التي شرّعت زواج المثليين.

في هذا الفيلم، يخبرنا ماثيو قصة تشخيص مرضه، وفترة الاكتئاب التي عاشها نتيجة ذلك، وكيف تغلّب عليها بالرغم من كره وإدانة مجتمعه المحافظ له.

لكن ماثيو، النجم الساطع في عالم الاستعراض المسرحي في بلفاست، لديه والدان يحبانه، ويشجعانه ويحضران كلّ استعراضاته المسرحيّة بعد قداس يوم الأحد.

فيلم من إخراج Nicky Larkin

مصور: Jenny Atcheson, Gerard Donnelly

تحرير: Jules Lyndon     
إنتاج: Patricia Moore

موسيقى: Tony Fitz

ترجمة: Miguelle Khattar Abi Nader, Randa Abou Chacra

مقابلة

Nicky Larkin | 99.media

Nicky Larkin
مخرج

“أردت أن أصوّر
عملية التحوّل بأكملها لمات/ “شيري”
وهو ينظر إلى المُشاهِد مباشرة
كما لو أنه ينظر في المرآة”

● هل يمكنك أن تعرّف عن نفسك؟

أنا كاتب ومخرج من مدينة بير الواقعة وسط (جمهورية) أيرلندا، لكنني أعيش وأعمل في بلفاست في أيرلندا الشمالية منذ سبع سنوات. بدأت مسيرتي في الفن التشكيلي، وتعلّمت الفنون الجميلة في كلّية غالواي وتشيلسي للفن في لندن. لكن على مرّ السنين اخترت التركيز على صناعة الأفلام.

● لماذا أردت أن تخبر قصّة ماثيو؟

أردت أن أصنع فيلمًا عن فيروس نقص المناعة البشرية وعن تقدّم الطب في مجال علاج هذا المرض، حيث أصبح بإمكان المصابين به عيش حياة طويلة وبصحة جيّدة. لم يعد فيروس نقص المناعة البشرية مرضًا مرعبًا كما عرف في الماضي، وعلاجه بات سهلًا جدًا في أيامنا هذه. لكن بالرغم من ذلك، ما زال المجتمع متمسّكًا بمعتقدات قديمة وبالأفكار الشائعة المتعلقة بالإيدز ولا سيما في المناطق المحافظة. حين يسمع الناس كلمة إيدز تعود بهم الذاكرة إلى الصور المروعة من حقبة الثمانينات، لكنّ الواقع اليوم مختلف تمامًا لذلك أردت أن أخبر تلك القصة.

 

إنّ مات (ماثيو) هو الشخص الوحيد الذي أعلن بصراحة عن إصابته بفيروس نقص المناعة البشرية في أيرلندا الشمالية، وهو شجاع للغاية وفنان نجم لذلك اخترته ليمثل في فيلمي لأنني عرفت أنه سيبدع في ذلك. قصته مثيرة للاهتمام لأنه يأتي من خلفية دينية وأخبرنا في الفيلم أن الكاهن طلب منه أن يجلس في المقعد الخلفي في الكنيسة وأنه واجه تحيزًا رهيبًا في صغره. لحسن حظه، أهله كاثي وتيري هما شخصان رائعان يدعمانه ويرافقانه في كلّ مرحلة من مراحل رحلته هذه.

Becoming Cherrie | 99.media

● على مدار الفيلم، تحوّل ماثيو إلى شخصيته النسائية “شيري” وهو ينظر مباشرة إلى المُشاهِد. لقد أردت أن تصور لقطات قريبة جدًا لكي تشعرنا بأننا لا نستطيع الهروب. ما هو هدفك؟

أردت أن أصوّر عملية التحول بأكملها لمات أي “شيري” في الوقت الذي ينظر فيه إلى المُشاهِد مباشرة، كما لو كان ينظر في المرآة. لقد ألحقت جيني أتشسون مديرة التصوير الرائعة، بآلتها جهازًا خاصًا من نوع EyeDirect يسمح لمات أن ينظر مباشرة في عدسة الكاميرا وفي الوقت عينه يعمل بمثابة مرآة كي يضع المكياج. فيبدأ الفيلم مع مات وينتهي مع “شيري”، وذلك يحصل وهو ينظر مباشرة إلينا!

أردت تصوير عن كثب مشهد “شيري” وهي تتلفظ بتلك العبارات المسيئة الرهيبة في وجه المشاهد. في الواقع، تلقى مات كلّ تلك الإساءات عبر الإنترنت، وأرسل لي صورًا عنها، وقررت أن أضعها في سيناريو لتمثله “شيري” أمام الكاميرا.

من السهل جدًا إرسال العبارات المسيئة إلى الآخرين من وراء شاشة الهاتف الذكي. لكنّ التلفظ بها وجهًا لوجه هو أمر قوي ومقلق في الوقت عينه. من المهم أن يفهم الناس أن هذه الكلمات تترك أثرًا مدمرًا عند الفرد. ومجرد أنها قيلت من وراء الشاشة فهذا لا يعني أن مواجهتها أمر سهل. على الناس أن يدركوا أن للكلام تأثيرًا، حتى لو كتب على هاتف ذكي.

لطالما تخيلت وخططت أن تجري كاثي، والدة مات، معنا المقابلة لكنها لم تكن قادرة في اليوم الذي قررنا التصوير خلاله. لذلك أجرينا المقابلة مع تيري والد مات. في الواقع إن والده لم يتكلم عن تشخيص مرض مات من قبل وكما رأيت في الفيلم، فإن أداءه رائع! في العام التالي، حين أردنا تصوير قصة مات لقناة بي بي سي، حصل تنافس طريف بين والديّ مات حول من سيكون أفضل في الفيلم الوثائقي!

Becoming Cherrie | 99.media
“أنا أحترمه كثيرًا،
لم يكن مضطرًا أن يتشارك قصته مع العالم”

● شارك فيلمك في الكثير من المهرجانات الرائعة في جميع أنحاء العالم. إنه يعالج موضوعًا محليًا لكنه يحمل رسالة عالمية.

تم عرض الفيلم في أماكن بعيدة مثل كوريا (الجنوبية) والبرازيل، ويتعاطف الناس في جميع أنحاء العالم مع قصة مات فهذا أمر مذهل. إنها قصة تحصل في منطقة محددة لكنها قصة مألوفة للغاية في أي مكان في العالم. وما ساعد على انتشار هذا الفيلم هو حقيقة أن مات رجل ودود ومحبوب ويسهل التعاطف معه، كما أن جاذبيته تشّع من الشاشة وتؤثر بالمشاهد.

لقد سررت للغاية كون الناس أحبوا الفيلم، وأنه عرض في الكثير من البلدان، وفي الكثير من المهرجانات. لقد ذهبنا إلى بعضها وسلِّطت الأضواء عليّ وعلى “شيري” ونحن نتبختر على السجادة الحمراء في مهرجان الفيلم البريطاني Dinard.

Becoming Cherrie | 99.media

● أخيرًا، أصبح زواج المثليين معترفًا به قانونيًا في أيرلندا الشمالية في ١٣كانون الثاني / يناير ٢٠٢٠. هل بدأت الأمور تتغير نحو الأفضل؟

في أيرلندا، يوجد حزب سياسي يسمى الحزب الاتحادي الديمقراطي وهو حزب مسيحي محافظ مسؤول عن الكثير من خطابات الكراهية ضد المثليين، ولسوء الحظ هو جزء من الحكومة، وله الكثير من القوة والنفوذ. ومن سخرية القدر إنه حزب وحدوي، لذا يريد أن تظل أيرلندا الشمالية جزءًا من المملكة المتحدة، لكنه لا يريد القوانين نفسها الموجودة في بقية المملكة المتحدة، مثل القوانين المتعلقة بزواج المثليين والإجهاض! إنه الجناح السياسي لأفكار القرن السادس عشر!

من حسن الحظ أننا لدينا أداة قوية للاحتجاج تدعى الفن. هناك فرقة مسرحية The Belfast Ensemble، والتي يعد مات أحد أعضائها الأساسيين، أدّت أوبرا العام الماضي بعنوان”Abomination”، من إخراج كونور ميتشل، الذي أخذ كلّ التصريحات المعادية للمثليين التي أدلى بها الحزب الاتحادي الديمقراطي ووضعها في قطعة موسيقية كلمة فكلمة. لذلك كان لديك ذلك المزيج بين الموسيقى الجميلة والكلمات البغيضة، مما أبرز قوة اللغة عند استخدامها بشكل غير مسؤول من قبل السياسيين.

بعد عرض الأوبرا، صنعت فيلمًا وثائقيًا عنها. ويظهر الفيلم الأيام الأولى من التدريبات في كنيسة في بلفاست، وصولاً إلى العروض التي تم بيع كلّ تذاكرها في مسرح ليريك. ونال العرض تقييم صحيفة ذي غارديان مسجلا ٥ نجوم، كما تم إدراجه كواحد من أفضل ١٠ عروض موسيقية كلاسيكية لعام ٢٠١٩ في مجلة ذي أوبزرفر الأسبوعية.

أثناء عملية التصوير، حدث أمر مدهش من وجهة نظري كصانع أفلام، وذلك عن طريق الصدفة. لقد تم تشريع القانون المتعلق بزواج المثليين وذلك في منتصف التدريبات على الأوبرا، فامتلأ شارع مقر الحكومة (الأيرلندية الشمالية) ستورمونت بالاحتجاجات والاحتفالات. لذا فإن الفيلم الوثائقي لا يعرض فقط الأوبرا، بل يعرض أيضًا لحظة التغيير التاريخية التي حصلت في أيرلندا الشمالية. وبينما كان يتجهز العرض ساد الإحساس بالاحتفال والشعور بالأمل وذلك نتيجة تشريع قانون زواج المثليين وإدراك أن الأمور بدأت تتغير نحو الأفضل في أيرلندا الشمالية.

Becoming Cherrie | 99.media

● كيف حال مات اليوم؟

لقد كان وقتًا عصيبًا بالنسبة لـ”شيري”، تم إلغاء جميع عروض الملهى الليلي بسبب القيود الصحية نتيجة جائحة كورونا. إن مات مغنٍ رائع وفنان نجم، بصفته الشخصية وبصفة Cherrie On Top، ولديه استعراض أسبوعي في ملهى ليلي في بلفاست، ولكن لسوء الحظ يبدو أن العروض الحيّة لن تعود في أي وقت قريب. لقد عمل على مشاريع أخرى مع the Belfast Ensemble، وقمنا بتصوير بعض العروض أثناء الإغلاق وتم بثها مباشرة.

لكن بصرف النظر عن مشكلة فيروس كورونا، إنه رائع، إنه قدوة لكثير من الناس في أيرلندا الشمالية. لقد صورنا فيلمًا وثائقيًا لإذاعة بي بي سي العام الماضي بعنوان “شيري، أنا وفيروس نقص المناعة البشرية”، لذلك اشتهرت قصته حاليًا أكثر من أي وقت مضى.

أنا أحترمه كثيرًا، لم يكن مضطرًا أن يتشارك قصته مع العالم، كان بإمكانه إبقاؤها سرًا. لكنه تشاركها مع الآخرين لمساعدتهم، ليكون أملًا لأي شخص آخر يعاني مثله، ولكن ذلك ألحق به الأذى. فهناك الكثير من الأشخاص السيئين، ولسوء الحظ، لديهم جميعًا هواتف ذكية.

Becoming Cherrie | 99.media

● ماذا تعمل الآن؟

لقد انتهينا للتو من صنع فيلم كوميدي قصير بعنوان Gone Viral من كتابتي وإخراجي، ومن إنتاج ريموند لاو من Green Dragon Media، وبتمويل من Northern Ireland Screen يخبر قصة رجل في منتصف عمره محجورًا في منزله مع زوجته في أيرلندا الشمالية ويريد أن يصبح مشهورًا على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء جائحة كورونا. لقد كتبته أثناء أول إغلاق عام، قبل عيد الفصح، فمن حسن حظنا أننا تمكنّا من تصويره بين فترات الإغلاق العام، والآن نعمل على تحويله إلى مسلسل.

 

لدي أيضًا بعض مشاريع أفلام وثائقية جديدة قيد التطوير، لذلك آمل أن يعود العالم إلى طبيعته في أسرع وقت ممكن ونعود إلى صناعة الأفلام!

● هل تريد أن تقول كلمة عن “٩٩” وعن ترجمة فيلمك إلى عدّة لغات؟


إنها فرصة رائعة لإعطاء نفسٍ جديد لفيلم “شيري” خاصة بعد عرض فيلمنا في مناطق أغلبها ناطقة بالإنجليزية، لقد ساهمت “٩٩” بإيصال رسالة مات إلى جمهور أكبر.

ربما شخص ما بحاجة ماسة إلى سماع قصّة مات لكي يستمد منها الأمل ولكي يرى النور في آخر الطريق. فمن وجهة نظر صانع أفلام، أرى أنه من الرائع جدًا أن يصل عملك إلى جمهور كبير. لذلك أنا سعيد جدًا بترجمة فيلمي إلى سبع لغات!

اشترك في نشرتنا الإخبارية

انضم إلى 5000 مشترك لدينا